في السنوات الأخيرة، لم يعد من الممكن النظر إلى القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية على أنه كيان خدمى أو منظومة تعتمد على العطاء الموسمي والدعم الإنساني العاطفي، فقد تغيرت المعادلة؛ لأن "الخير" لم يعد كافيا ما لم يكن مؤسسيا، ومستداما، ومنسوب الأثر.
أثبتت التجربة الوطنية أن القطاع الثالث (غير الربحي) قادر على أن يكون شريكا استراتيجيا في التنمية الشاملة، إذا مُكن برؤية اقتصادية ومنهجية قائمة على النتائج والأثر، فنحن لا نعيش فقط تحولا في آلية العمل، بل في فلسفة العمل ذاتها.
ومن كونه رديفا للرعاية، أصبح القطاع الثالث مدعوا ليكون ذراعا فاعلة في التمكين والإنتاج والتحفيز المجتمعي.
لأجل ذلك، أصبحت الحاجة إلى تطويره لا تنبع فقط من واقع الجمعيات، بل من الإحتياج البنيوي لمرحلة التحول الوطني الكبرى، وضرورة إعادة توزيع المسؤوليات التنموية بين القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، والقطاع غير الربحي، ضمن رؤية السعودية 2030، التي تتبنى بوضوح مبدأ "المسؤولية المشتركة في صناعة المستقبل".
ومع دخول المملكة في المرحلة الثالثة من تنفيذ رؤية 2030 (2026-2030) وهي مرحلة جني الثمار وترسيخ التحولات، تزداد الحاجة إلى فاعلين غير ربحيين يمتلكون لغة الإقتصاد، ويعملون بمنهجية الأثر، ويسهمون فعليا في تحقيق مستهدفات التنمية الوطنية، لاسيما فيما يتعلق برفع مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي وتعزيز الإستدامة المالية للجمعيات من خلال نماذج استثمارية ذكية و توجيه العمل التطوعي ليكون مكونا إنتاجيا لا نشاطا وقتيا، ودعم الملفات الأكثر احتياجا من خلال تحويل الدعم إلى تمكين.
وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا تحولنا من نماذج "الإستجابة الفورية للإحتياج"، إلى نماذج "البناء المؤسسي طويل الأجل"٬ ومن "ثقافة التبرع" إلى "منهجية التمويل المبني على التأثير".
حان الوقت لتأسيس فلسفة اقتصادية واضحة المعالم للعمل غير الربحي في المملكة العربية السعودية، ترى أن:
"كل ريال ينفق فرصة لصناعة أثر"
الدكتور/ عبد الله بن علي آل دربة